الدكتور عبدالله الزعبي يكتب : الأردن بين تحديات الداخل وتحولات الإقليم

صوت الحق -
الاستاذ الدكتور عبدالله الزعبي
في عالم تتغير فيه الخرائط قبل أن يجف حبر التحالفات، وفي المنعطفات التاريخ، لا تُقاس قوة الدول بحجم جيوشها أو مواردها فقط، بل بقدرتها على التقاط اللحظة وتحويل الأزمات إلى فرص.
الأردن، الذي لطالما مثّل ركيزة اعتدال في منطقة تموج بالتوترات، ولاعبًا عقلانيًا، يقف اليوم أمام لحظة فارقة تضعه على تماسّ مباشر مع أخطر الأزمات، بين ضغوط اقتصادية خانقة، وارتباطات استراتيجية عميقة، وازمات حدودية واجتماعية، التي تمسّ أمنه القومي، وتحولات إقليمية تعيد تشكيل خرائط النفوذ والتحالفات، بات السؤال الأردني لا يدور حول كيفية الصمود فحسب، بل حول كيف نحمي مستقبل الدولة، من تفاقم المخاطر الحدودية والاجتماعية وغيرها؟
لم يكن موقع الأردن الجيوسياسي، واعتدال قيادته، إلا سببًا في أن يكون لاعبًا رئيسيًا في حسابات الحلفاء، فكانت الاتفاقيات الأمنية والعسكرية، والتي وفّرت له غطاءً سياسيًا ودعماً اقتصاديًا، وشكّلت حجر الزاوية في سياسة التموضع الحذر التي اتبعها لعقود. غير أن هذا الدعم، الذي يُفترض أن يكون ضمانة للاستقرار، بدأ يأخذ شكل أداة ضغط سياسي، ففي مطلع عام 2025، طرح البيت الأبيض خطة لإعادة توطين فلسطينيي غزة في الأردن ومصر، ملوحًا بإعادة النظر في المساعدات كوسيلة ضغط، وهو الامر الذي قوبل بالرفض، لكن الأردن، وبنفس الوقت، أدرك أن التوازن في العلاقة مع الحلفاء لم يعد مضمونًا كما كان (لكن التساؤل المشروع اليوم، إلى أي مدى يمكن أن تستمر هذه الاتفاقيات دون أن تمس جوهر السيادة؟).
ورغم ان المساعدات المتدفقة من الشركاء الدوليين والدعم العربي الخليجي، الا انه لم ينعكس أثرها الفعلي على حياة المواطنين، وبقي الاقتصاد رهينًا للنهج الريعي، دون انتقال نحو اقتصاد إنتاجي ومستدام.
في الداخل، تتكشف أزمة اقتصادية متراكمة، حيث بلغ الدين العام أكثر من 44 مليار دينار مع نهاية الربع الأول من عام 2025 (ما يعادل نحو 117% من الناتج المحلي)، في حين بلغ الدين الصافي (بعد استبعاد ودائع الحكومة وصندوق الضمان) حوالي 85% من الناتج. وهذه النسب لم تعد مجرد مؤشرات مالية، بل يعتبرها البعض، تهديداً مباشراً للاستقرار المالي.
ترافق ذلك مع ازمة بطالة تتجاوز 23% بشكل عام، وتكاد تصل إلى ما يزيد عن 40% بين الشباب، وسط نمو اقتصادي لا يتعدى 2.7% في بداية 2025، وعجز مالي بعد المنح يبلغ 3.7% من الناتج المحلي، وعجز في الحساب الخارجي يقارب 7.7%.
ويضاف اليها تزايد التهديدات الحدودية، والتي لم تكن يومًا هادئة بالكامل، لكن ما يحدث في السنوات الأخيرة أصبح يشكل تهديدًا نوعيًا واستراتيجيًا.
ان استمرار الفوضى الإقليمية يفتح الباب أمام احتمالات تسلل التهديدات العابرة للحدود، والتي تمثل خطرًا مباشرًا على الأمن القومي، خصوصًا في ظل هشاشة سيطرة دول الجوار على حدودها. الامر الذي جعل من الأردن ساحة تماس إقليمية، يتقاطع فيها الأمن القومي مع شبكات الجريمة المنظمة، كما وتحوّل الأردن إلى ساحة متقدمة للمواجهات خلال الحرب الإيرانية الاسرائيلية، دفاعاً عن أراضيه ومصالحه، مما لعب دوراً في إعادة نظر الحلفاء التقليدين لتعزيز التزامهم بدعمه، لكنها في الوقت ذاته زادت من حساسية موقعه الجيوسياسي وأهمية أدواره العسكرية، ما يفرض عليه موازنة صعبة بين حماية أمنه وعدم التورط في صراعات الجوار، وهذا يتطلب مضاعفة الاستعداد الدفاعي، وزيادة التنسيق الإقليمي والدولي دون التفريط بالسيادة.
إضافة إلى الضغوط الاقتصادية والسياسية، فان الأردن يعاني من أعباء ديموغرافية هائلة، إذ يستضيف أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري لوحدهم، بتكلفة تقارب 6% من الناتج المحلي، في وقت لا يغطي فيه المانحون سوى جزء محدود من التكاليف، دون الاخذ بعين الاعتبار تكلفة اللاجئين الاخرين.
وبرغم الدعم الخارجي والمنح والقروض، الا ان الاقتصاد الأردني ظل حبيس الحلول القصيرة، دون تحوّل فعلي نحو الإنتاج والاعتماد على الذات، مما جعل المواطن لا يثق بأن القادم سيكون أجمل، بل بات يرى أن البعض يزداد ثراءً واغلاقاً على نفسه، بينما الطبقة الوسطى في طريقها للاختفاء والفقراء يزدادون فقراً، وبالتالي فان الأردن لم يعد قادرًا على امتصاص مزيد من الصدمات.