من يُقيّم النزاهة؟ قراءة في منطق مؤشر RI² وخطر القياس الاختزالي على سمعة البحث العربي

صوت الحق -
بقلم: أ.د. رُبا فهمي البطاينة
في ظل تصاعد الضغوط على الجامعات للارتقاء بمعايير البحث والانخراط في سباقات التصنيف، تبرز بين الحين والآخر مؤشرات جديدة تزعم قياس النزاهة الأكاديمية. ومن هذه، ما يُعرف بـمؤشر مخاطر النزاهة البحثية الذي يتعامل مع مفهوم معقّد كالنزاهة البحثية بأدوات تبسيطية مفرطة تختزل المؤسسات الأكاديمية في رقمين: عدد الأبحاث المسحوبة من النشر، وعدد المقالات المنشورة في مجلات حُذفت لاحقًا من قواعد البيانات الرئيسة، ليتحوّل التقييم إلى محاسبة ميكانيكية لا تأخذ بالسياق، ولا تفرّق بين الخطأ والتزوير.
ما يدعو إلى التوقف أن RI² لا يصدر عن جهة علمية دولية معتمدة، ولا يُراجع علميًا أو يخضع لأي مساءلة مؤسسية. ومع ذلك، تُبنى عليه أحكام أخلاقية بحق جامعات بأكملها، في تجاهل تام لحقيقة أن السحب قد يكون نتيجة لشفافية علمية، وأن النشر في مجلة معتمدة وقتها لا يرقى لأن يكون دليلًا على انعدام النزاهة.
الأخطر أن مثل هذا المؤشر قد يُستخدم في تصنيف الجامعات وتوجيه التمويل، ما يضع المؤسسات الأكثر إنتاجًا في مرمى المحاسبة الظالمة، ويعزز سردية تتهم بدل أن تُفهم. كما أنه يكرّس علاقة غير متكافئة بين من يضع المعايير ومن يُطالب بالامتثال لها، دون حوار أو إنصاف.
النزاهة الأكاديمية ليست رقمًا في جدول إحصائي ولا نتيجة خوارزمية معقّمة. إنها ممارسة حية تُصان بالثقة، وتُبنى بالتدريج داخل بيئات تثمّن الشفافية وتشجّع التصحيح لا أن تعاقب عليه. والمؤشرات التي لا ترى سوى الرقم تغفل ما هو أعمق: السياق، النية، والمخاطر البنيوية. لذلك، فإن ما نحتاجه ليس مزيدًا من أدوات التصنيف، بل أدوات تفهّم. مؤشرات تُنصف لا تُجرّم، وتُصلح لا تُقصي. مؤشرات تبدأ من الواقع لا تنزل عليه من علٍ.