المحامي سلطان العدوان يكتب المجالس تُحلّ … لكن ماذا عن المنهج؟

صوت الحق -
المحامي سلطان العدوان
حين تُبشرنا الحكومة بعد سنوات من عمر المجالس ، أن 11 بلدية فقط من أصل 104 حصلت على أكثر من 65% في تقييم الأداء، فهذا ليس مجرد رقم… بل واقع يعكس عجزًا لا يمكن المرور عنه مرور الكرام بحل مجالس. فالقصة أكبر بكثير.
حين تصل نسبة الأداء المقبول إلى ما دون 11%، لا يُفترض أن يُحل المجلس فقط، بل أن تُسائل السياسات، ومن رسمها، ومن ترك البلديات دون أدوات أو تمكين.
ثم تأتي الأرقام الأثقل: عشرات قضايا الفساد، 93 موظفًا ارتكبوا اختلاسات وتزويرات، مديونية متراكمة تتجاوز 600 مليون دينار، ومقاولون تعثروا، ومشاريع توقفت لأن الوزارة لم تصرف مستحقاتها ، ومع ذلك، يُفاخِر وزير الإدارة المحلية خلال مقابلته مع قناة المملكة بأن عشرات المشاريع لن تُصرف فواتيرها لفشل الفحوصات.
لكن منذ متى صار الإخفاق في المشاريع وإيقاف الصرف دليلاً على سلامة القرار؟ هذه ليست إدارة مشاريع… بل تخلٍّ عن مسؤولية الإنجاز.
وفي اللقاء ذاته، يبرر الوزير قرار حل المجالس بثلاث حجج: تحديث مؤسسي، رؤساء بلديات طلبوا الحل، ومواطنون طالبوا بذلك.
لكنها حجج تكشف بوضوح غياب الرؤية الحقيقية لما تعنيه الإدارة المحلية.
فإن طلب رئيس بلدية الحل لأنه عاجز عن إكمال مهامه، فهذا لا يبرر حل مؤسسة كاملة، بل يستدعي استقالته هو.
وإن كان البعض من المواطنين يطالبون بذلك، فهل تُدار المؤسسات العامة وفق الاستفتاء العاطفي؟
أما التحديث، فكان يجب أن يبدأ ضمن البنية القائمة لا بتفكيكها.
هل نُحلّ البرلمان مثلًا لتحديثه؟
وحين تسمع التبريرات، يخطر لك السؤال المحزن: ونحن في عصر البيانات الضخمة، أين نحن منها؟
هل محرَّم على البلديات أن تصبح مدنًا ذكية؟
ثم نصل إلى التناقض الأكبر: الوزير يحمّل المجالس كامل مسؤولية الفشل، متجاهلًا أن البلدية لا تملك الصرف خارج حدٍّ مالي معيّن دون موافقة الوزارة، وأن أي عطاء يتجاوز سقفًا محددًا يخضع لمراجعة مركزية. فكيف تُلام المجالس على قرارات لا تملكها؟
وإذا كانت الوزارة تراجع الموازنات، وتقرّ الصلاحيات، وتتحكم بالموارد، فأين تمكين البلديات؟
وهل وُجدت وحدة مركزية لإدارة المشاريع؟
هل جرى تقييم مالي حقيقي؟
أم أننا ما زلنا نُدوّر الأزمة نفسها بلجان مؤقتة تُعيَّن بعقلية الموظف لا بعقلية القائد؟
وما يلفت الانتباه، أن أحد أبرز ما غاب عن المجالس واللجان على السواء هو غياب الكفاءات التي أثبتت جدارتها في القطاع الخاص.
لماذا لم نجد بين أعضاء المجالس من أدار شركات ونجح في إدارة النمو؟
وأين دور التكنولوجيا، وهي أداة الدول لبناء مدنها المستقبلية؟
كيف تُدار بلديات اليوم بعقلية الأمس، في زمن تتحرك فيه المدن الذكية على بوصلة البيانات، والتطبيقات، ونماذج التنبؤ؟
غياب هذه العقليات يعكس فجوة أعمق من مجرد قصور إداري: إنها فجوة في فهم ما يجب أن تكون عليه البلديات فعلًا… مؤسسات تقود التحول لا مؤسسات تنتظر التعليمات.
الأصل أن الحكومة تستمد قراراتها من رؤية التحديث الاقتصادي 2022–2033 التي وضعت الحوكمة والمساءلة المحلية كدعامة رئيسة، وأشارت إلى أهمية تمكين المجالس المحلية كرافعة للنمو.
لكن التطبيق جاء مناقضًا: تُحل المجالس دون مساءلة شفافة، وتُعيَّن لجان لا تملك مشروعًا أو خطة، وكل ذلك في غياب أي منصة تقييم وطنية معلنة.
فأين المؤسسية إذًا؟
وأين الربط بين التحديث والخدمة؟
لقد آن الأوان لمراجعة جذرية لا شكلية.
المطلوب ليس تعيين موظفين أكثر، بل إعادة بناء الهيكل.
المطلوب دمج وزارة الإدارة المحلية مع وزارة الأشغال في كيان موحَّد يُنهي ازدواجية الصلاحيات، واستحداث مكتب وطني مستقل لإدارة مشاريع البلديات، وفقًا لأفضل الممارسات العالمية، يُربط فيه تمويل البلديات بكفاءة نتائجها لا بالترضيات، وتُمنح فيه البلديات صلاحيات حقيقية توازي مسؤولياتها، لا أن تُترك تتحمل قرارات مركزية تُتخذ فوقها.
ويا دولة الرئيس،،،
وأنت تعيد رسم خريطة الحكومة القادمة، لا تجعل الإصلاح شعارًا إداريًا… بل اجعله ممارسة تُرى في الأثر.
فإن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم.
ولا تنمية بلا مساءلة، ولا مساءلة بلا إدارة محلية تملك القرار، وتستقطب العقول القادرة على صناعته.
المطلوب ليس موظفين يسيّرون الأعمال… بل قادة يُفكّرون بالمستقبل، ومهنيون جاؤوا من ميادين القطاع الخاص، ومتخصصون بالتكنولوجيا يرسمون للبلديات خريطة طريق ذكية ومعهم خبرات من البلديات تحافظ على الارث وتعكس واقع القرن الواحد والعشرين… لا ذهنية تكرار الورق.
المحامي سلطان نايف العدوان
٩-٧-٢٠٢٥